أطفالنا قربان للشّواذ : إلى متى سياسة النّوم في العسل
فاجعة وشناعة ذبح الطفل الصغير “ياسين” ذي السنوات الأربع بمنطقة الملاّسين، بعد الاعتداء عليه بالفاحشة استنادا إلى الأخبار المتواترة في الإعلام، فاجعة تعيد للأذهان ما حدث من اغتصاب للتلميذين الصّغيرين في دوّارهشير، هذه الحوادث المريعة التي يأتيها وحوش وضباع آدميّة تهيم بيننا وتصول وتجول بلا رقيب ولا حسيب، حوادث كثيرة تستهدف أبناءنا الصغيرة هنا وهناك تؤلم النّفوس وتدمع العيون وتدمي القلوب.
اليوم حقيقة دقّت نواقيس الخطر الحقيقي على حياة أطفالنا وفلذاتنا أكبادنا الصغار من التلاميذ ومن غير التلاميذ حتّى على الرضّع والخدّج (حديثي الولادة) ولم يعد الأمر مبالغ فيه أو مسكوت عنه، هذه الفظاعة المرتكبة في حقّ “ياسين” ليست الأولى ولن تكون الأخيرة إذا ما تركنا “الحبل على الغارب” وسمحنا لـ” مرضى” النفوس والعقول والشوّاذ والصّعاليك بأن يصولوا ويجولوا و”يأكلوا” بناتنا وأولادنا الصغار وأن “يفترسوا” تلاميذنا و أحيانا شبابنا من المراهقين، سيفعل هؤلاء المنحرفون بأطفالنا ما يحلو لهم إذا ما تركناهم لقمة سائغة وإذا ما غفلنا عليهم وسهونا عنهم فإنّنا نفتح بذلك المجال للعبث بهم من قبل ضباع آدميّة لا يراعون إلاّ ولا ذمّة ولا يخافون الله ولا يحرّمون الحرام ولا يحلّلون الحلال ولا يخجلون من أنفسهم.
هذه الحادثة المأساويّة لن تمرّ بسلام على أسرة “ياسين” وأقاربه وأجواره وعلى كلّ تونسيّ سويّ، ستظلّ ذكراها تقهرهم إلى أبد الأبدين دون تعمل أيديهم ولا تفعل أرجلهم، فقط حظّ ولد صغير عاثر وضعه في طريق وحش آدمي وحيوان بشري لم يتوانى عن خطفه وذبحه كما تذبح الشاة، هكذا سبهللا حصل ما حصل لـ”ياسين” ومثل من هم في سنّه من أبنائنا يروحون ويجيئون كلّ صباح وفي المساء نحو محاضنهم ومدارسهم وصوب معاهدهم وكثيرا ما يمكثون الساعات الطوال أمام المؤسّسات التربويّة بلا رقيب حيث ينتشر الغرباء كالغربان في محيط المدارس والمعاهد وتتوزّع جحافل من الصّعاليك في هذا المكان أو ذاك يتحيّنون الفرصة للانقضاض على فرائس سهلة بيسر وأحيانا على مرأى ومسمع الغادي والرّائح، ولا أحد يعترض أو ينبس ببنت شفة وكل “نفسي نفسي” و”اخطى ابني أو ابنتي” وليحمل الآخرون الطوفان، أشكال وأنواع ورهط ما أنزل الله به من سلطان يرابطون في محيط المدارس أغلبهم يبيعون المخدّرات بأنواعها للتلاميذ ويجبرونهم على شرائها ومنهم من يرهب الصغار فيفتكّ منهم مصروف الجيب وكثيرا ما تهتك الأعراض تحت الخوف والجبر والإكراه و” لا أعين الإطار الإداري والتربوي رأت” و” لا آذان الأولياء والأسر سمعت”، فلا الأستاذ يسأل في الغالب عن حال تلامذته في الخارج و لا الأب أو الأمّ يتفقّد أولاده ويراجع معهم أحداث يومهم وكلّهم أكلتهم الحياة والمصاريف ومتطلبات المعيشة.
يحصل ما يحصل لفلذات لأكبادنا والمسؤولين المعنيين بملف الطفولة والأسرة لا يزالون “راقدين رقدة النوم في العسل” ولن تسمع حيّا مهما تناديت ولا شيء غير بعض التصريحات البروتوكوليّة عند كلّ مأساة تسجّل بهذه المدرسة أو ذاك المعهد أو تلك المحضنة أو الروضة حتّى الصّغار في الكتاتيب لحقهم الضرّ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، بل أكثر من ذلك تواتر بين الفينة والأخرى أخبار عن تعرّض أطفال في مؤسسات تابعة لمراكز الإيواء والإدماج الاجتماعي العموميّة لعمليّات تحرّش وابتزاز جنسي تطول الإناث والذكور لا فرق بمعنى أنّ الظاهرة تفاقمت حتّى وصلت إلى مواقع الإحاطة نفسها والتي من المفروض أن تكون الحصن الحصين الذي يضمن الاستقرار النفسي والحماية الجسديّة للأطفال، والغريب أنّ التحقيق في هذه الحالات لا تظهر نتيجته ويقتصر على البلبلة الأوليّة التي يثيرها التضرّر أو تقيمها المتضرّرة ثمّ ترجع الأمور إلى ما هي عليه كأنّ شيئا لم يكن.
حادثة “الملاسين” أو “دوارهيشر” وقبلها “العلا” بالقيروان، دون أن ننسى الجريمة الشنيعة في حقّ الطفل “ربيع”، هذه الحادثة أطلقت مجدّدا في المجتمع التونسي برمّته صفّارات الإنذار ودقّت طبول الحرب ولا خيار لنا جميعا إلاّ أن نستوعب الدّرس ونتعظ فلا تكون العبر كثير والاعتبار قليل، فحريّ بكلّ الأطراف المتداخلة من سلط الإشراف المعنيّة من وزارات الداخليّة والتربية والشؤون الاجتماعية والهياكل والمؤسّسات المختصّة بحماية الطفولة أن تعجّل بالتكاتف مع الإطارات التربويّة والأسر إلى إحداث لجان مركزيّة وجهويّة ومحليّة مكوّنة من ممثلين عن هذه الأطراف المذكورة يعهد إليها تشكيل لجان دائمة وخلايا أزمات تتعلّق بكلّ المشاكل التي يتعرّض لها الأطفال، لا قدّر الله، من عنف وتحرّش وانتهاك عرض أو أيّ ابتزاز مهما كان شكله أو نوعه، على أن ترفع تقارير دوريّة في هذا الشأن على مستوى المعتمديّات والولايات وترسل من ثمّة إلى المصالح والهياكل والوزارات ذات العلاقة حيث يتطلّب اتخاذ الإجراءات والتدابير الأمنيّة اللاّزمة والردع في حالة الردع وأيضا القيام بعمليّات استباقية تقطع على المجرمين الطريق وتنقذ أبناءنا الصغار من براثن شرورهم.