أزمة وكالات الأسفار والسياحة زهاء 950 وكالة مديونيتها تناهز 10 ملايين دينار وسط تحذيرات من الإفلاس الكلّي
يفسّر القطاعيّون الأزمة الكبيرة التي أصابت وكالات الأسفار التونسية بما لحق سياحتنا من ضربات قويّة، حيث يؤكّدون أنّ القطاع ترهّل وأصابه الإفلاس وعدم القدرة على التجديد ليبقى رهين ثنائيّة الشمس والبحر، وهي ثنائيّة يقرّ أهل المهنة أنّ الزّمن تجاوزها، ولم تعد تسمح لسياحتنا بتحقيق مداخيل وقدرات اضافيّة تمكّنها من إحراز النّجاح المأمول في معركة المنافسة المحتدمة مع بلدان وأسواق عديدة ومتنوعة أضحت تقدّم خدمات من مستويات رفيعة وعالية الجودة، وفي أغلب الأحيان بمقابل في المتناول.
أزمة وكالات الاسفار التونسية البالغ عددها 950 وكالة أسفار، من بينها 756 وكالة منخرطة في الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة، متشعبة وتشبه المتاهة التي ضاع في ثناياها العاملون في القطاع، وهي تتمثل أولا في المديونية المتفاقمة من سنة الى أخرى، وثانيا في غياب الرؤية الاستراتيجية المجددة للسياحة، وهو ما جعل الجامعة تطالب خلال لقاءات أعضائها المتواترة مع سلطة الاشراف بإعادة جدولة الديون تجاه المؤسسات المانحة من بنوك وشركات ايجار مالي وتخفيف ديونهم تجاه الصناديق الاجتماعية وتخفيف الضغط الجبائي وتكفل الوزارة بإيجاد وتوفير دعم للعاجزين عن تسديد ديونهم.
كما ترجع الفئة الواسعة من المتابعين هذا التقهقر الذي يعيشه قطاع وكالات الأسفار والسياحة في بلادنا إلى الضربات القاصمة التي تمّ توجيهها للسياحة التّونسيّة، والمتمثّلة في تتالي العمليات الإرهابية، واتخاذها منحى جديدا بنزولها من الجبال ليهدّد المدن ويتجاوز أسوار المنشآت السياحيّة والفندقيّة ويتخطّى أبوابها على غرار ما حصل في عمليتي “باردو” و”سوسة” ثمّ عمليّة “شارع محمّد الخامس”، لذلك عمّ الخوف السيّاح الأجانب الذين عزفوا عن التوافد إلى الوجهة التّونسيّة فزعين ممّا يمكن أن يحدث معهم لدى ارتيادهم الفنادق في تونس، الأمر الذي ألقى بضرره مباشرة على وكالات الأسفار في البلاد.
ديون بقيمة 10 ملايين دينار
حذّرت الجامعة التونسية لوكالات الأسفار في موفّ شهر ديسمبر 2015 من مخاطر جمة تهدد وكيل الأسفار في تونس جرّاء ما لحق السياحة في البلاد من ضرر كبير نتيجة الأحداث الإرهابية وذكرت الجامعة أن مليونا و200 ألف تونسي يسافرون للخارج سنويّا، لا سيما باتجاه اسطنبول، وباريس، وعدد من البلدان الأوروبيّة والعربيّة والإفريقيّة، ممّا جعل شبكة وكالات الأسفار التونسية في أوج الأزمة التي تمر بها السياحة، و قالت إن “توجه عموم وكالات الأسفار للعمل على السياحة الخارجية أملته ظروف موضوعية بعد أن كان النشاط منحصرا في نحو 20 وكالة”، لافتة إلى أن “الأوضاع المتردية تهدد استمرار نشاط وكيل الأسفار، وينتظر، في حال تواصل الوضع على ماهو عليه، إعلان إفلاس عدد من الوكالات خلال 2016 والسنوات اللاّحقة، وكذلك توقف نشاطات وكالات أخرى”.
واعتبرت الجامعة أن “وزارة السياحة وكذلك البنك المركزي لم يهتما، كما يجب، بالمخاطر المحدقة بالقطاع، خاصة أن ديون عدد من وكالات الأسفار التونسية بلغت 10 ملايين دينار تونسي، بعد رفض البنك المركزي تحويل سريع للمبلغ المطلوب من الوكالات التونسية لفائدة مركزيات البيع التي قدمت لمهنيي القطاع التونسيين خدماتها”.
موسم 2016 في “وضع حرج”
قال محمد علي التومي رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة في تصريح إذاعي إنه “لا بد من تدعيم السوق الداخلية وسياحة الجوار لإنقاذ الموسم السياحي لسنة 2016 الذي من المتوقع أن يكون أسوء موسم سياحي في تاريخ تونس”.
وأضاف، في حواره الإذاعي، أن “إلغاء بريطانيا لحظر السفر إلى تونس يعد ضرورة لابد منها رغم أن الوضع الأمني التونسي مازال يشهد إشكاليات عديدة”.
من ناحيته، كشف نائب رئيس الجامعة التونسية لوكالات الاسفار “ظافر لطيف” أنّ “كل المؤشّرات الحالية تدل على تراجع كبير في السياحة خلال سنتي 2015 و2016 مقارنة بالسنوات الفارطة، وهو ما سيؤثر فعلا على العجلة الاقتصادية برمتها”، مشيرا إلى أنّه “رغم الجهود المبذولة من قبل جميع الفاعلين في القطاع لإقناع الشركاء وطمأنتهم للتّوجه للسّوق التونسية، فإنّ هذه المساعي لم تحقّق أهدافها المأمولة خاصّة بالنسبة للملفّ الأمني الذي كانت، ولا تزال، له تداعيات وخيمة خاصة بعد العمليات الارهابية الأخيرة التي طالت محيط متحف “باردو” وكذلك إحدى المنشآت السياحيّة.
وأكد ظافر لطيف أن “الجامعة التونسية لوكالات الاسفار قد غيّرت طرق الاقناع والتشجيع والاغراءات للشركاء الأجانب بهدف تدارك الوضع الحرج لكن النتائج إلى حد اليوم بقيت متواضعة.
وفي تصريح صحفي نشر بتاريخ 08 مارس 2016 لصاحب وكالة أسفار تعدّ من أنشط الوكالات المعروفة في مجال “الكروازيار” أكّد فيه أنّ “أهل القطاع ينتظرون بفارغ الصّبر عودة الحياة لقطاع السياحة، مؤكّدا أنّ ما يتمّ تداوله بشأن استئناف أهمّ وكالات الأسفار العالميّة لرحلاتها نحو تونس لا أساس له من الصّحة وأنّه يجب على كلّ الأطراف التكاتف من أجل إنقاذ القطاع من الانهيار والإفلاس.
“مسيرة الحلزون لقطاع كالحلزون”
في خضمّ تنامي مشاكل قطاع وكالات الاسفار وتنامي مستوى مديونية أهله، أعلنت الجامعة التونسية عن “يوم غضب” كانت ستنظّم خلاله مسيرة أسمتها “مسيرة الحلزون”، وذلك “يوم 8 اكتوبر 2015” إلاّ انها ألغيت بعد التوّصل إلى اتفاق مع وزارة الاشراف لتنظيم لقاءات لفضّ مشاكل القطاع، ولعلّ اطلاق اسم “الحلزون” على المسيرة يكشف جيّدا واقع هذا القطاع الذي يسير بالفعل على خطى الحلزون ويتميز بالهشاشة التي يتميز بها هذا الزاحف الضّعيف.
ويؤكّد عدد من الفاعلين القطاعيين أنّ “وكالات الأسفار في تونس يقع على عاتقها نصيب كبير في انجاح القطاع السّياحي ككل الا إنّها في المقابل لم تجد الدعم من الحكومة حين احتاجت اليه لا سيما بعد سنة 2011 حيث تفاقمت مشاكل وكالات الاسفار وتقلّصت وتيرة عملها بسبب تراجع أعداد الوافدين وباتت المؤسسات العاملة في القطاع بين مطرقة البنوك وشركات الايجار المالي المطالبة بقوة باسترداد قروضها ومستحقاتها المالية وبين سندان تراجع حجم العمل وتقلّص المداخيل وعجزها عن السّداد، وهوما جعل العشرات من هذه الوكالات تغلق أبوابها وتمسي محل تتبّعات قانونية من الدّائنين”
“تسهــيلات”
يذكر أنّه في إطار الظرف الصّعب الذي تمرّ به وكالات الأسفار خاصّة في ظلّ تفاقم مديونيتها بشكل مفزع بالنسبة للقطاعيين، كانت وزارة السياحيّة قد بادرت خلال العشريّة الأولى من شهر أفريل 2015 بإقرار جملة من التسهيلات البنكيّة الموسميّة لفائدة المهنيين، وإعلام التكفّل التامّ للدولة فيما يتعلّق بديون وكلات الأسفار بكلّ من توزر وقبلّي.
“شوية من الحنّة وشوية من رطابة اليدين”
من ناحية أخرى، يقول متابعون: “وإن كنّا نجد في شكاوى العاملين في القطاع نسبة كبيرة من المعقولية فإن بعض مؤاخذاتهم هم من يتحملون الجزء الاكبر فيها من ذلك أنّ وكالات الأسفار التّونسية تعاني من شبه قطيعة مع أصحاب الفنادق، والسبب يتجلّى في اتّهام أصحاب الوكالات أصحاب الفنادق بالتدخّل في مجال عملهم من خلال الاتّصال المباشر بالسّياح خاصة منهم المحليين وبيع الغرف بأسعار أقلّ من تلك التي تعرضها وكالات الاسفار”، حيث يؤكّد المتابعون أنّ “هذا لم يحدث إلاّ لأنّ أصحاب الفنادق لم يجدوا تحرّكات تسويقية كبيرة من الوكالات تمكّنهم من حجز كل غرفهم والعمل بكامل طاقتهم، وهو ما دفع إلى التحرّك بمفردهم ولم يبقوا مكتوفي الأيدي في انتظار ما سيوفره أصحاب الوكالات من حجوزات لم يعملوا على استقطاب أصحابها بسياسة ترويجية ناجعة”.
ويرى المتابعون أن “العاملين في القطاع لم يسعوا إلى توفير مقترحات مهمّة يمكن أن تشكل قاعدة لعملية اصلاح هيكلي للقطاع وذلك بتوفير سياسة ترويجية ناجعة للمنتوج السياحي التونسي والعمل في اختصاصات مازالت لم تجد حظها كما ينبغي مثل سياحة المؤتمرات والسياحة الاستشفائية والسياحة الرياضية والسياحة البيئية وكل هذه المجالات يمكن ان تنجح في تونس لتوفر بنية تحتية تمكنها من الاستجابة لتطلعات الحرفاء من هذا النوع”.
تحرير العمرة والحجّ؟؟؟ بين المدّ والجزر
اضافة إلى كل تلك المشاكل هنالك اشكال اخر يعاني منه العاملون في القطاع منذ سنوات ما قبل الثّورة والذين اعتقدوا انهم بعدها سيتوفر لها الحل ليريحهم منه إلا انه تواصل جرّاء ما اعتبره أصحاب وكالات الأسفار “سيطرة شركة الخدمات والاقامة” المعروفة بتسمية “منتزه قمرت” على تنظيم العمرة والحج ولو تمّ تحريرهما فان وكالات الاسفار سيتوفر لها هامش واسع من العمل يمكنها من الانتعاش واستعادة دورها الاساسي في النهوض بالقطاع السياحي لأن ما سيتوفر من عائدات بعد تحرير الحج والعمرة سيمكن وكالات الاسفار من تطوير اعمالها والوصول الى اسواق أوروبية عديدة وجديدة واستعانتها في ذلك بخطط تسويقية تحتاج الى مصاريف كبيرة لإنجاحها.
وقد أكّد عضو الجامعة العامة لوكالات الأسفار “إسماعيل الواد” في تصريح لإذاعيّة تونسيّة خاصّة، وذلك على هامش اجتماع لأصحاب وكالات الأسفار المعنية انتظم خلال شهر جانفي بالعاصمة، أن “أصحاب وكالات الأسفار يتجهون نحو خطوة تصعيدية احتجاجا على قرار مجلس وزاري انعقد في نفس الفترة، يقضي بمنح صلاحيات تنظيم رحلات العمرة لشركة “منتزه قمرت”، الأمر الذي اعتبره “غير قانوني”.
وأوضح “اسماعيل الواد” أنّ شركة منتزه قمرت للحج والعمرة، هي شركة حكوميّة، وهي الوحيدة التي كانت تنظّم رحلات العمرة للتّونسيين قبل الثورة، لكن منذ سنة 2012 انطلقت سياسة تحرير القطاع حيث تمكّنت وكالات الأسفار خلال سنة 2015 من تسفير زهاء 47 ألف معتمر في حين نظّمت شركة “منتزه قمرت” في الفترة نفسها حوالي ألفي معتمر فحسب.
وذكر “الواد” أنّ مجلسا وزاريّا انعقد للغرض أقر منح شركة قمرت 20 ألف معتمر ووكالات الأسفار 20 ألف معتمر، وهو ما اعتبره “عودة للسياسات القديمة”، ولفت إلى أنّ الشركة تشغّل في حدود 50 موظّف في حين تشغّل وكالات الأسفار ما يضاهي ألف موظّف، منتهيا إلى اعتبار أنّ “الحكومة تسعى إلى افتكاك لقمة عيش موظّفي وكالات الأسفار ومنحها لشركة قمرّت التي توظّف عددا محدود من الأعوان والإطارات مقارنة بوكالات الأسفار”.
توزر: سواق وكالات الأسفار يطالبون بمنحة ظرفية
طالب السّواق المسرّحون من وكالات الأسفار بولاية توزر، في وقفة احتجاجية نفذوها يوم الثّلاثاء 2 فيفري 2016، أمام مقر الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية بتمكينهم من منحة ظرفية في إطار البرامج التي تقرها وزارة الشؤون الاجتماعية لمساعدة المتضررين من أزمة القطاع السياحي.
وفي تصريحات أدلى بها محتجّون لوكالة تونس افريقيا للأنباء (وات) إن سواق وكالات الأسفار بالجهة لم يحصلوا على غرار بقية القطاعات المتضررة من الصعوبات التي يمر بها القطاع السياحي حيث حصل أصحاب العربات السياحية ومحلات الصناعات التقليدية والعملة المسرحون من النزل على منح ظرفية تمتد لستة أشهر على الأقل في حين أن سواق السيارات لم يحصلوا إلا على مساعدة بمناسبة العيد.
“كوجهة سياحيّة: الــسّوق التـّونسيّة خارج نطاق الخدمة”
يجدر بالتذكير أنّ البنك المركزي التّونسي نشر مؤخّرا معطيات إحصائيّة أظهرت تراجعا كبيرا في المداخيل السياحيّة خلال الشهر الأوّل من سنة 2016 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2015، حيث قدّر التراجع بنسبة 49.9 بالمائة لتبلغ قيمتها 113 مليون دينار، فضلا عن ذلك تبرز المؤشرات التي أوردها البنك أنّ المداخيل السياحيّة المسجّلة بين سنتي 2014 و2015 سجّلت تراجعا بنسبة 35 بالمائة، بشكل تقلّصت فيه من مستوى 3600 مليون دينار إلى حدود 2300 مليون دينار، الأمر الذي أدّى بدوره إلى انخفاض ملحوظ في عدد الليالي المقضّاة خلال السنة المنقضية 2015 ونزولها بنسبة 45 بالمائة مقارنة بـ 2014.