الشّنقال في العاصمة “غول متربّص” عند الإكتظاظ والفوضى
معضلة من المعضلات القاهرة التي يعيشها التّونسيّون من مالكي السيّارات، بشكل يوميّ، وتحديدا المشتغلين بمؤسسات تتركّز في قلب العاصمة ومحاورها الكبرى، هؤلاء يرزحون بين مطرقة المطاردة المستميتة لـ”الشّنقال” وسندان المآوى المفقودة، حيث تشهد شوارع العاصمة وأنهجها وأزقّتها جولانا مكثّفا يقابله “تربّص” مستمرّ لـ”الشّنقال”، والذي لا ينفكّ القائمون عليه يرصدون على مدار ساعات اليوم الإداريّة كلّ مخالفة تصدر عن أصحاب السيارات سواء كان بالعمد أو عن طريق السّهو أو بصفة تلقائية.
وفي كلّ مرة تطرح فيها معضلة وقوف السّيارات في العاصمة ينتهي الأمر عند التجاذب وتبادل الاتهامات بين المواطنين الذين يلقون باللاّئمة على مصالح البلدية التي يعتبرون أنّها “لم توفّر الأماكن الكافية للوقوف والمأوى ولا همّ لها إلا رفع المخالفات الماليّة ضدّ سائقي السيارات الذين تنتمي شريحة واسعة منهم إلى فئة الموظفين متوسّطي الرتب سواء في القطاع العمومي أو الخاصّ، هؤلاء الذين تضطرّهم الظروف للوقوف في الأماكن الممنوعة والذين يتذمرون من “الشّنقال” الذي لا يرحم ولا يراعي أحدا ومصالح البلدية نفسها التي تقابل هذه التّذمرات بأن “مصالحها تقوم بتطبيق القانون”.
وفي خضمّ هذا التجاذب يتغافل الجميع عن طرف بات مؤثّرا وفاعلا في معادلة “الشنقال” و”الصابو” كذلك، ألا وهو “سماسرة” المأوى الذين بدأوا ينتشرون في كل مكان تدب فيه الحركة وتسمع فيه أصوات محركات السيارات، ناهيك في النّقاط التجارية الكبرى وقرب النزل وفضاءات التّرفيه وحتى في محيط بعض الشواطئ المعروفة بكثافة المصطافين.
“غول متربّص” عند الاكتظاظ والفوضى
رغم ما تكتسيه منظومة “الشّنقال” من أهميّة على مستوى تنظيم ركن السيارات وتسهيل سيولة حركة المرور وسط شوارع العاصمة، فإن المواطن لم يستسغ إلى اليوم جولات وصولات “الشّنقال” رغم تواجد هذه الوسيلة لردع المخالفين والمتسببين في التوقف العشوائي والفوضوي عبر أنهج وشوارع المدينة، فالرافعة الحديدية للشّاحنات المعروفة لدى الجميع بتسمية “الشّنقال” كانت ومازالت تمثل كابوسا لأصحاب السيارات الذين يصفونها بـ “الغول المتربّص”.
جماعة الرافعة الحديدية “الشنقال” يستغلّون دائما الاكتظاظ والفوضى جرّاء الزّحام المروري الخانق الذي يضطرّ أصحاب السيّارات إلى “التخلّص” من عرباتهم وركنها في هذا المنعطف أو ذاك الرّكن أو عند ذلك النهج الضيّق، لكن كما يقول المثل التّونسي “إلي قاريه الذّيب حافظو السّلوقي، فجماعة “الشنقال” الذين يحومون برافعتهم الحديديّة، مرارا وتكرارا دون كلل ولا ملل، يعثرون في غالب الأحيان على ضالتهم وينقضّون على فريستهم، “السيّارة”، ويحملونها كيف ما اتفق إلى الحجز لتبدأ بعد ذلك معاناة صاحبها.
“سماسرة المآوي“: ابتزاز وتجاوزات بالجملة
رغم أنّ وجود هؤلاء الصّنف من السّماسرة غير مشروع وغير منطقي بل ومتجاوز للقانون، فإنّه لم يحصل وأن تمّ رسميّا من قبل أيّ طرف الاعتراض على وجودهم وعمّا يفعلونه أو مساءلتهم من قبل السّلط المعنيّة سواء البلديّة أو الأمنيّة عمّن من كلّفهم بما كلّفوا به أنفسهم من أعمال، والدّليل في استمرار تواجدهم، بل وسرعة انتشارهم وبكثافة تثير التساؤل وتدعو للاستغراب، وإنّما تجري الأمور بخلافها، فهناك من يعتبره انتشار مطلوب ولا تستوجب معارضته على اعتبار أنّهم يرونه “حلاّ مجديا لفض مشكلات الوقوف عند أصحاب السيارات في ظل حالة الفوضى اليومية والمطاردات التي يلاقونها من “شنقال” البلدية وشنقالات شركات المناولة”.
وبعكس الرأي الأوّل فإنّ كثيرين يرون أنّ التّجاوزات التي يأتيها تجار المآوي كثرت واستشرت كما أن ابتزازهم توسع وطال العديدين، فلا الأسعار والمعاليم التي يوظّفونها معقولة ولا الخدمات التي يقدّمونها مقبولة أو لائقة، مدعمين ما ذهبوا إليه من رأي بأنّ “الواحد من هؤلاء يطالب صاحب السيارة بمبلغ لا يخضع إلى المنطق مقابل خدمات لا تتوفر على أدنى شروط وظروف السّلامة”، متسائلين: “كيف للمواطن أن يطمئن على سيارته وقد أودعها في فضاء مكشوف مفتوح تبقى فيه السّيارة عرضة للسّرقة أو للضّرر، لا سقف يحميها من الأمطار أو أشعة الشمس الحارقة ولا حارس يرد كل من حاول العبث بها”.
ويرجع عديد من أصحاب السيارات المستهدفين، أو الذين كانوا عرضة للشنقال وذاقوا مرارته، السّبب الرئيسي والمباشر الذي شجّع هؤلاء “السّماسرة” على انفلاتهم وتجاوزاتهم إلى هشاشة الحلول التي تعتمدها البلدية، وقصور هذه الحلول على إيجاد أماكن كافية لاحتضان الأسطول، حيث تتدفق آلاف مؤلّفة من السّيارات من كلّ حدب وصوب لتتجمّع في قلب العاصمة وفي محاورها، وخاصة على طرقات منطقة “تونــس الكبرى”، مطالبين السلط المعنيّة والدوائر البلديّة المختصّة، إلى مراقبة الممارسات التي يأتيها سماسرة المآوى ورصد ما يقترفونه من تجاوزات وتطبيق القوانين المعمولة بها لردعهم.
مآوي مفقودة: المسؤوليّات والحلول؟؟
رغم أنّه من الطّبيعي أن تكون مصالح البلدية بعيدة وبمعزل عن أيّة علاقة يحتمل أن تربطها بسماسرة المآوى وتجاوزاتهم، لكن مع ذلك فإن هذه المصالح لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن أزمة وقوف السّيارات، على اعتبار أنّ أصل المشكلة هو “نقص المآوى” وغياب توفّر “أماكن الوقوف” بالشكل المطلوب، ويرى أصحاب السيّارات أنّ الحلّ يكمن أساسا في إيجاد وتهيئة “مآوي” وأماكن جديدة للوقوف، وبالعدد الكافي، وبالشّكل الذي يقطع مع الفوضى والاكتظاظ، وبالمعاليم المعقولة التي لا تثقل كاهل المواطن.
ويشدّد أصحاب السيّارات على أنّ تتحمّل مصالح البلدية جميع مسؤوليّاتها بما يمكّن من فضّ هذا الإشكال بصفة نهائيّة، معربين عن رفضهم لسياسة الإسراع باللّجوء الى أساليب الرّدع، والتّرفيع في خطية “الشنقال” ومطاردة كل من تضطره حالة الفوضى ونقص الأماكن المهيئة للوقوف في مكان ممنوع، حيث طالبوا بمراجعة هذه الأمر وإعادة النّظر فيه.
ويجدر التّذكير بأنّ “بلديّة تونس” كانت قد نشرت بلاغا ورد فيه أنّها قرّرت التّرفيع في سعر “الشنڨال” و”الصابو”، وفي أسعار وقوف السيارات في المآوي وعلى الطريق العام وذلك بداية من يوم السبت 02 جانفي 2016، حيث جاء فيه بالخصوص أنّه تمّ الترفيع في قيمة المخالفة بالنسبة لـ “الشنقال” إلى حدود 35 دينار و15 دينار فيما يخصّ “الصّابو”، وهو ما أثار امتعاضا لدى سائقي السيّارات الذين اعتبروه قرارا خاطئا في حقّهم، ويجب تداركه داعين إلى إيجاد الحلول النّاجعة والواقعيّة.
منظومة “الــصّابو” أرحــم
بما أن منظومة “الشنقال” وارتفاع مخالفاتها إلى 35 دينار والتي باتت تثقل كثيرا كاهل أصحاب السيّارات الواقعين في “الفخّ”، فقد اقترح البعض أن يتمّ إعادة العمل بمنظومة “الصّابو” وتعميمها على جميع النقاط كوسيلة أنجع للرّدع وأرفق من حيث قيمة المخالفة (15 دينار)، بما يقلّص من التّجاوزات، وحتى لا يضطرّ المواطن الى البحث عن سيارته بعد رفعها من مستودع الى آخر.
وتنادي فئة من سوّاق السيّارات خاصّة من الذين تدفعهم التزاماتهم الشغليّة إلى التواجد الدّائم في العاصمة وقرب مؤسساتها إلى ضرورة الاكتفاء بوضع “الصابو” وذلك مراعاة خاصّة للحالة الصحيّة للعديد من المواطنين الذين يشكون أمراضا مزمنة فضلا عن الرّفق بالنساء والمسنّين الذين تعسر عليهم عمليّة البحث عن سيّاراتهم لا سيما إذا كانت المصالح الإداريّة لـ”الشنقال” بعيدة عن منطقة ركون السيّارة.
6 مستودعات للحجز وما بين 100 و200 سيارة محجوزة يوميّا
من جانب سلطات الإشراف لا توجد حاليّا معطيات رقميّة محيّنة بالنّسبة لمنظومة “الشنقال” والسيّارات المحجوزة، سوى تصريح صحفي أدلى به، في بداية شهر جويلية 2013، المشرف على تسيير “مصلحة الاستغلال” المتصلة بهذه المنظومة، “محمد علي سعداني” أكّد من خلاله أنّ المصالح المختصّة تمتلك 6 مستودعات للحجز وتستقبل يوما بين 100 و200 سيارة، لافتا إلى أنّ هذه المصالح لا تتعسّف على المواطن وإنّ مهمّتها الحفاظ على النظام ومن مشمولاتها التنظيم، وأنه في حال تسجيل تجاوزات من طرف الأعوان فإنهم يسارعون باتخاذ الإجراءات المناسبة، ومنها التأديبية.
واعتبر “محمّد علي السّعداني” أنّ “الهدف من استعمال الشنقال هو تسهيل وتسيير السلامة المرورية وسلامة المواطن دون أيّ تجاوز كفيل بأن يتسبّب في كوارث، مضيفا بالقول:” نحن لا نبحث عن النقود ولا عن الاستغلال ولعل أكبر دليل على ذلك هو أنّ مسؤوليتنا تقتصر على توفير المعدات والأعوان لا غير، في حين أن عملية رصد المخالفة والأمر برفع السيارة يعودان إلى عون شرطة المرور الذي يرافق أعواننا داخل الرافعة مع كل تحرّك لها، كما أننا نراعي في أغلب الأحيان الحالات الاجتماعية ولسنا متشدّدين وكل ما نريده هو عدم تعطيل حركة المرور”.
وفي الفترة نفسها صرّح مدير استغلال بـ”شركة تونس مأوى الخدمات” “علي منشاري”، بأنّ “عملية رفع السيارات تخضع للعديد من المتدخلين، فهناك بلدية تونس التي تشرف على العملية من أولها إلى آخرها، ثم هناك شرطة المرور التي تقوم برفع المخالفة وحجز كل سيارة موجودة في مكان يحجّر فيه الوقوف أو التوقّف أو في حال عدم استخلاص مكانه، والمتدخل الموالي يتمثّل في شخص شركتنا الخاصة التي تقوم بتوفير المعدات والرافعات ومقرات مستودعات الحجز والعمال، وكل هذه العملية تنظمها “لُزمة” بين بلدية تونس وشركة تونس مأوى الخدمات”.
وأكد “علي منشاري” أن أعوان شركتهم لا يتدخلون في رفع المخالفات وأنهم يخضعون إلى مراقبة مستمرة تمنع تجاوزهم للقانون، نافيا إمكانية تدخل العائلة الحاكمة سابقا في القطاع قائلا إن غياب “الشنقال” بعد الثورة كان لظروف أمنية لا غير.