الطّلاق “غول” يلتهم مجتمعنا
نشرت مؤخّرا إحصائيّات رسميّة مفادها تسجيل 1000 حالة طلاق سنويّا في تونس خلال العشريّة الأخيرة، وهو رقم اعتبره أهل الذّكر مهولا بالنظر إلى النموّ الديمغرافي للبلد، وأيضا بالعودة إلى نسبة الزّواج المسجلّة كلّ عام، مؤكدين أنّ تفاقم ظاهرة الطلاق مؤشّر على التشتّت والتشرذم الذي أصاب العلاقات المجتمعيّة، وفي مقدّمتها علاقات القرابة بين الأسر وأواصر الودّ بين الأزواج خاصّة خلال الأعوام الأربعة التي تلت الثّورة، فيما فسّره آخرون بأسباب راجعة إلى عدم التفاهم والاختلاف في القناعات الشخصيّة والتباين في التوجّهات وكذلك غياب جملة من المبادئ الإنسانيّة من أبرزها التسامح والتنازل، أمّا بعض علماء الاجتماع فأغلبهم أرجع الظّاهرة إلى تناقض الرؤى السياسيّة والنصوص القانونيّة والتّشاريع مع الواقع المعاش.
والواقع التونسي بتشخيصه انكشفت علل وعواهن لا حصر لها، وظهر بالكاشف أنّ الخطابات السياسيّة إنّما هي من قبيل الدعاية العدميّة، وأنّ ما يدّعونه في واد وحقيقة هذا الواقع المرير في واد آخر، فأكثر ما أضرّ بالشعب التونسي وقطّع أوصال الودّ بين الزوج وزوجته وبين أفراد الأسرة الواحدة هم السياسيّون بمهاتراتهم وأفكارهم الشّاطحة الباطحة، وايديولوجيّاتهم التي يسوقونها والضّاربة في الشّخصنة، وها أنّ الشعب المأزوم يحصد في كلّ يوم المآسي والجرائم الشنيعة جرّاء سياسة ” تعلّم الحجامة في رؤوس اليتامى”.
ها هي البيوت التونسيّة تخرب على رؤوس ساكنيها، وها هي العائلات تتفتت والأبناء يشتّتون، عراك وخصام وعنف يصل حدّ القتل، وقضايا طلاق بالمئات تتعدّد تسمياتها وتعلاّتها ترفع يوميّا إلى القضاء بشكل مجاني وسخيف أحيانا، كيف لا ومسلسلاتنا وأفلامنا وحتّى برامجنا الاجتماعية تدفع بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى تعويد النّاس على الفساد ودخول عالم المخدّرات والتجرؤ على الخيانات وامتهان الرذيلة وإتيان الفاحشة، من المسؤول عن هذه الطّلاق بما يحمله معه من طوفان الكوارث وشنيع جرائم.
سياسة عرجاء انتهجت منذ دحر الاستعمار تقوم على الإشهار الأجوف للنظام ورأسه، تقوم على أساس أنّ المرأة “السيدة الأولى ” في البلاد و” الملكة ” في أسرتها وأنّ الرجل سندها وظلها وحاميها، وفي الواقع سفه وتضليل فلا المرأة محترمة ولا الرّجل ذا قدر أو احترام، وأسالوا الأحداث في الشوارع والأزقة ومحلاّت السّكنى والإدارات، وأسالوا أروقة المحاكم تبوح لكم بكمّ وكيف القضايا وتخبركم الحقيقة، حقيقة ما بلغناه من “إنجازات عظيمة” في “الطّلاق” و” العنف بين الازواج “و”الأمهات العازبات” و”الأطفال خارج إطار الزواج” والحدود التي وصلنا إليها في عدد جرائم “الاغتصاب” و”الفاحشة” و”الدعارة” ووو.
كم هو مؤسف ما يحدث في تونس في وقت تخلّى فيه الذّكر عن رجولته لا يضيره بيع زوجته أو المساومة على حبيبته ببخس الأثمان، وكم هو مخجل أن يتنصّل “رجل” من مسؤوليته ويترك أمّ عياله تقارع الزمان وتغالب مصارعه دون أن يكون لها نصيرا، أين تلك الشّهامة التي كنّا نعتدّ بها، بالطّبع اندثرت وذهبت أيّامها، فالحرّة صارت تباع وتشترى في سوق الرّقيق؟؟؟ وفي المقابل أين تلك الزوجة الصبورة الجسورة التي تكرم الزوج وتحفظ الدار والأبناء؟
“الطّلاق” لم يعد ظاهرة فحسب وإنّما أمسى “غولا” ينهش بأنياب ومخالبه ما تبقّى من روابط الأسر التونسيّة بل المجتمع برمته، أمّا الحلّ في القضاء عليه واضح، وضوح الشمس في كبد السماء، هو تقوييم اعوجاج السّياسة العرجاء المتّبعة التي بسببها نقدّم يوميا قرابين متلاحقة من الأزواج إلى هذا الغول.