قضيّة “البوليساريو” : بين أزمة “عدم القبول بالحلول” وعاصفة تصريح “بان كي مون”
أسّست “البوليساريو” في سبعينيات القرن الماضي حين احتضنتها الجزائر ومولتها ليبيا وتزايد الاعتراف بها دوليا، ومع الثمانينيات استطاع المغرب أن يعزز وجوده العسكري في الصحراء مانعا هجمات “البوليساريو” العسكرية من اختراق جداره المنيع، ولم تستطع “منظمة الوحدة الإفريقية” ولا “منظمة الأمم المتحدة” من التوصّل إلى حلّ سلمي لهذا المشكل الذي قارب عمره ثلاثة عقود وظل قيامه حائلا دون قيام اتحاد بين دول المغرب العربي.
وتعتبر مشكلة الصحراء الغربية بين المغرب و”جبهة بوليساريو” من أعقد الصراعات الإفريقية المستعصية على الحلول التوافقية ثنائيا وإقليميا ودوليا.
محطّة التأسيس وبداية النّشاط
جبهة “بوليساريو” تعني اختصارا “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، وقد تأسست “البوليساريو” بعد انعقاد مؤتمرها التأسيسي في 20 ماي 1973 وتسعى إلى إقامة دولة مستقلة في إقليم الصحراء الغربية.
وبدأت “البوليساريو” نشاطها العسكري إبان الاستعمار الإسباني بتاريخ 20 ماي 1973 حيث قامت بمهاجمة الحامية الإسبانية بموضع “الخنكة”، وتلقّت الجبهة العون المادي والعسكري من طرف ليبيا منذ 1973 ثم الجزائر منذ 1975، وقد انتشرت معسكرات تدريب الصحراويين في الدولتين طيلة فترة السّبعينيات.
ولم تزد رئاسة الوليّ “مصطفى السيد الرقيبي” للجبهة على 3 سنوات أي منذ تأسيسها عام 1973 حتى مقتله في 9 جوان 1976 خلال هجوم على العاصمة الموريتانية، حيث خلفه “محمد عبد العزيز” على رأس الأمانة العامة للجبهة ورئيس لمجلس قيادتها منذ ثورة أوت 1976 وإلى اليوم.
“البوليساريو” بين المد والجزر
أدت انتصارات “البوليساريو” في السبعينيات إلى إضعاف موريتانيا، وقد قام جيشها بانقلاب عسكري على “ولد داداه” تذمّرا من الصراع الصحراوي، وآل الأمر بالعسكر إلى توقيع اتفاق في الجزائر مع “البوليساريو” في 5 أوت 1979 تخلّت بموجبه موريتانيا عن “وادي الذهب الإقليم الصحراوي” الذي كان تحت حوزتها.
وقد لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورا نشيطا في صفوف دول العالم فجعلت منظمة الوحدة الأفريقية تعترف بالحكومة الصحراوية عضوا فيها، الأمر الذي دفع بالمغرب إلى الانسحاب من هذه المنظمة القارية في 12 نوفمبر 1982، وقد قام المملكة المغربية عام 1980 ببناء حائط حول ما يعرف بـ “المثلث المفيد” (السمارة- العيون- بوجدور)، واضعة بذلك سورا واقيا حول المناطق الصحراوية الغنية بالفسفاط والمدن الصحراوية الأساسية، وجعل هذا السور أهم الأراضي الصحراوية في مأمن من هجمات “البوليساريو”.
ويؤكّد متبعون للقضيّة الصّحراويّة أنّ تخلي ليبيا منذ 1984 عن دعم الجبهة، إلى جانب انشغال الجزائر بأزمتها الداخلية كان سببا رئيسيّا في تقوية موقف المغرب.
“البوليساريو وعدم القبول بالحلول”
طرحت الأمم المتحدة عدة حلول في إطار جهودها لتسوية النزاع الصحراوي ولم يكن أي حل منها موضع اتفاق بين الطرفين المغرب و”البوليساريو” مما جعل الحوار بينهما لا يعدو أن يكون “حوار صم” كما وصفه عديد الخبراء والمحلّلين، هؤلاء الذين يعتبرون أنّ الاستفتاء الذي كان مطروحا خلال عقد الثمانينات سيؤول حتما إلى خيارين، الأول الانضمام للمغرب وهو أمر ترفضه “البوليساريو” جملة وتفصيلا، والثاني الانفصال عنه وتكوين دولة الصحراء الغربية المستقلة، وهي مسألة لا يقبلها المغرب بل يرى فيها خرقا لسيادته.
ورغم تباعد وجهات نظر الطرفين فإن الأمم المتحدة قامت بوضع الترتيبات الكاملة لتنظيم عملية الاستفتاء في الصحراء الغربية، انطلاقا من إقرار وقف إطلاق النار بين الجانبين، لكن عملية الاستفتاء تعطلت بسبب عدم الاتفاق على من يحقّ له المشاركة في الاستفتاء.
وجاء خيار الحل الثالث المقترح من “جيمس بيكر” والقائم على منح الصحراء الغربية حكما ذاتيا واسعا تحت الإدارة المغربية، فرفضت “البوليساريو” الاقتراح وتضامنت معها الجزائر في حين وافق عليها المغرب.
بدوره، طرح الأمين العامّ السّابق “كوفي عنان” سنة 2002 خيار التقسيم كحلّ رابع على أن يكون للمغرب الثّلثان وللبوليساريو الثلث، فسارع المغرب إلى الرّفض القاطع متهما الجزائر المرحّبة بهذا الحل بأن لها أطماعا إقليمية.
البوليساريو واتحاد المغرب العربي
لم يلتق قادة دول “اتحاد المغرب العربي” منذ سنوات، وفي كل موعد قمة يرفض هذا الزعيم أو ذاك الحضور، ويؤكّد الباحثون والمختصون في القضايا المغاربيّة أنّ من أسباب التخلّف عن الحضور يرجع إلى مسألة الصراع على الصحراء الغربية، معتبرين أنّه يحول دون تطور “الاتحاد المغاربي” بسبب العلاقة المتوترة بشكل مزمن بين الجزائر والمغرب بوصفهما القوتين المحوريتين اللتين يتوقف عليهما قيام النظام الإقليمي المغاربي.
وفي واقع الحال يتّهم المغرب الجزائر بوقوفها إلى صف جبهة “البوليساريو”، في حين ترى الجزائر أنّ المغرب لا يعدو أن يكون سوى قوة احتلال في الصحراء.
تداعيات زيارة “بان كي مون” لمخيمات “تندوف” بالجزائر
أثار تصريح للأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” ذكر فيه عبارة “احتلال” خلال زيارة أداها يوم السبت 5 مارس 2016 إلى مخيمات اللاّجئين بمخيمات “تندوف” بالجزائر، أثار ثائرة السلطات في المملكة المغربيّة التي وصفت بما قاله المسؤول الأوّل في المنتظم الأممي “انحيازا لطرف دون آخر كان لا يجب أن يصدر عن ممثل أممي في حجم بان كي مون”، حيث أصدرت المملكة في الأثناء عددا من القرارات جاءت كردّ فعل إزاء التصريح، كما خلف “التصريح” ردود فعل شعبيّة وسياسيّة متعدّدة الأشكال.
المغرب: “بان كي مون منحاز”
أعلن المغرب، في بلاغ صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، ليلة الثلاثاء 15 مارس 2016 إجراء “تقليص ملموس خلال الأيام المقبلة لجزء كبير من المكون المدني وخاصة الشق السياسي من البعثة الأمميّة المعروفة اختصارا بـ “المينورسو”، وإلغاء المساهمة الإرادية التي تقدمها المملكة لسير عمل “المينورسو”، وبحث صيغ سحب التجريدات المغربية المنخرطة في عمليات حفظ السّلم”.
وقد كانت الحكومة المغربيّة أصدرت قبل ذلك بيانا، نشر للرأي العام ليلة الثلاثاء 8 مارس 2016 جاء فيه أن “الأمين العام للأمم المتحدة تخلى عن حياده وموضوعيته، وعبّر بشكل صريح عن تساهل مدان مع دولة وهمية تفتقد لكل المقومات، بدون تراب ولا ساكنة ولا علم معترف به”، كما أنها تأسف لـ”استسلامه لابتزاز الأطراف الأخرى من خلال فرض أمر واقع في خرق للالتزامات والضمانات المقدمة للمغرب بالوقوف في وجه أي استغلال لتنقلاته”.
وأضافت الحكومة المغربيّة في بيانها أن “بان كي مون استعمل عبارة احتلال لوصف استرجاع المغرب لوحدته الترابية وأن ذلك يتناقض بشدة مع القاموس الذي دأبت الامم المتحدة على استخدامه في ما يتعلق بالصحراء المغربية”، ممّا “يمسّ بشكل خطير بمصداقية الأمانة العامة للأمم المتحدة”، متحدثة عن أنه لم “يتطرق إلى “ضرورة إجراء إحصاء لهاته الساكنة ولم يتحدث عن الاختلاس المؤكد للمساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة المخيمات”.
الردّ الأممي
صرّح المتحدث باسم الأمم المتحدة يوم الجمعة 11 مارس 2016، أن استخدام الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون لكلمة “احتلال” التي أغضبت الحكومة المغربية بخصوص ملف “الصحراء الغربية”، تعود إلى “عدم قدرة اللاجئين الصحراويين على العودة إلى ديارهم تحت ظروف تتضمن التدابير المُرضية للحكم التي يتمكن في ظلها جميع الصحراويين من التعبير عن رغباتهم بحرية”.
وقال المتحدث في رد له نشر بالموقع الرسمي للأمم المتحدة على بلاغ للحكومة المغربية اتهم بان كي مون بـ”عدم الحياد”، إن “جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، بما فيها المغرب، توافق على في القرارات السنوية الصادرة عن الجمعية العامة بدون تصويت، على أن وضع الصحراء الغربية، وهي إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، لم يتقرر بعد”.
وتابع المتحدث في رده على تداعيات زيارة بان كي مون لمخيمات “تندوف” بالجزائر، أين يقطن آلاف اللاجئين الصحراويين، أن مجلس الأمن الدولي دعا الأمم المتحدة إلى تيسير إجراء مفاوضات تهدف إلى التوصل لحل سياسي مقبول من الطرفين، يوفر لشعب الصحراء الغربية تقرير المصير”.
وأضاف المتحدث ذاته أن الأمين العام شهد خلال زيارته للمنطقة “وضعا صعبا في مخيم للاجئين الصحراويين نجم عن عقود من العيش بدون أمل في أقسى الظروف”، وأنه شدد “على أن اللاجئين الصحراويين يستحقون مستقبلا أفضل”، داعيًا إلى “إجراء مفاوضات حقيقية بحسن نية وبدون شروط مسبقة”.
شعارات شعبيّة تصف “بان كي مون” بـ”الجبان”
خرج صباح يوم الأحد 13 مارس 2016 بالعاصمة المغربية الرباط، آلاف المغاربة في مسيرة شعبية حاشدة للتنديد بتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، متهمين إيّاه بـ”عدم الحياد وبالانحياز إلى جبهة البوليساريو”، وذلك عندما استخدم كلمة احتلال في سياق حديثه عن الصحراء الغربية.
هذه المسيرة التي دعت إليها جلّ الأحزاب المغربية ومجموعة من الجمعيات المدينة، شهدت ترديد شعارات تندد بالأمم المتحدة وبأمينها العام، وتصفه بــ”الجبان والمنحاز”، كما تطالب بطرده من منصبه، وقد أكدت الشعارات على “مغربية الصحراء وعلى إجماع المغاربة على عدم التفريط في الصحراء”، كما انتقدت بشدة جبهة البوليساريو والجزائر.
وقالت الوكالة وكالة الأنباء المغربيّة الرّسمية إن أعداد المتظاهرين فاق الـ 3 ملايين، حيث شارك في هذه المسيرة مواطنون من كل المناطق المغربية وكذا من الصحراء الغربية، إذ حضرت تنظيمات سياسية ومدنية من هذه المنطقة، ورفعت لافتات تعرب بها رفضها لأي حل سياسي لا يضمن سيادة المغرب على الصحراء الغربية.
جماعة “العدل والإحسان” خارج قائمة المشاركين
في وقت أعلنت فيه غالبية الهيئات السّياسية المغربية عن حضورها في المسيرة، رفضت جماعة “العدل والإحسان” المعارضة أن تكون ضمن قائمة الحاضرين، وقال المتحدث الرّسمي باسم جماعة “العدل والإحسان” “حسن بناجح”، إنّ الجماعة لم تتلقّ أيّ دعوة للمشاركة، وبالتالي لا يمكنها الحضور، منتقدًا ما وصفها بـ”الدعوات العشوائية”، غير أنه أكد احترام الجماعة للمشاركين وأن موقفها من الصحراء هو “الموقف نفسه للشعب المغربي المؤمن بوحدة ترابه الوطني”.
من ناحيته، أكّد “حزب الاستقلال”، أقدم الأحزاب المغربية، على لسان أحد قيادييه في الصحراء، إنّ “الصحراويين مستعدون للدفاع عن صحرائهم حتى تبقى ضمن تراب المغرب”، داعيً إلى “الدّخول إلى المنطقة العازلة بالصّحراء بما أنها مغربية وطرد البعثة الأممية المينورسو”.
وكان البرلمان المغربي قد نظم يوم السبت 12 مارس 2016 دورة استثنائية حول مستجدات ملف الصحراء، وأصدر بلاغًا ضد تصريحات “بان كيمون”، جاء في مضمونه: “الانحراف المتعمد من جانب الأمين العام، هو محاولة للتغطية على فشله طيلة ولايتين على رأس المنظمة، في إحراز تقدم ملموس في تسوية النزاع، وهو إرضاء مدان للأطراف التي تعادي حقوق المغرب”.
وبين هذا وذاك تظلّ أزمة “البوليساريو” معقدّة ولا يرى أفق فضّها قريب الحلول لا سيما في ظلّ عدم قبول الأطراف المعنيّة بشتّى أنواع الحلول المعروضة، وهو الأمر الذي يفوّت على كامل المنطقة جلب استثمارات أجنبيّة كبرى خاصّة والجهة تحتكم على ثروات طبيعيّة وطاقيّة ومنجميّة كبيرة ومتنوعة، حيث تؤكّد آخر الأخبار سعي رجال أعمال سعوديين وكذلك أوروبيين إلى الاستثمار في المنطقة لكنّ الصّراع الدّائر فيها مازال يحول دون ذلك.